الكومبس – خاص: حصل المصري عماد بيومي على جائزة أفضل شركة لرواد الأعمال المهاجرين للعام الجاري 2013، مناصفة مع الكونغولية ميلان روبيرتسون، بطقوس إحتفالية خاصة، أقيمت في القصر الملكي، أواخر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. وجرى تسليم الجائزة له، من قبل الملك السويدي كارل غوستاف السادس عشر، في فعالية نظمتها جمعية IFS لإصحاب الشركات الأجانب.

ينحدر بيومي من أسرة فلاحية من إحدى قرى المنوفية في مصر. نشأ وترعرع في أحضان الطبيعة في عائلة تعمل في مجال الزراعة وصناعة الخبز، حيث كان جده يملك مخبزاً، عمل فيه منذ نعومة أظفاره.

يتمتع بإسلوب حديث واضح ومباشر وبسيط، لا يتصنع ولا يتكلف ولا يتردد. كما إنه أبن بلد حقيقي لا يعرف العيش من غير ان يدبر قوته بذراعه، وهو الطريق الذي إختاره منذ اليوم الأول لوصوله الى السويد في العام 1989، حيث تمكن من تحقيق ثروة، يصل مقدارها الآن الى 40 مليون كرون من خلال المخبز الكبير والحديث الذي يملكه في منطقة "دالا يارنا"، وكان قد بدأ مشروعه بـ 320 كرون فقط.

نشأته ووصوله الى السويد

يقول بيومي لـ "الكومبس"، إن حظه في الدراسة لم يكن وافراً، حيث درس سنة أولى فقط، بعدها بدأ حياته العملية في مخبز، بناه جده في العام 1962، في الوقت نفسه كان يمارس مهنة الفلاحة مع عائلته، وتدرج في العمل ضمن هذين المجالين، حتى كان له مخبزه الخاص وهو في الرابعة عشر من عمره فقط.

إستمر بالعمل في مخبزه الخاص حتى العام 1979، حيث تركها مسافراً الى العراق للعمل، ثم رجع قافلاً الى مصر من جديد، ليعمل في مجال الغطس هذه المرة بشرم الشيخ، حيث تعرف على إمراءة سويدية، تزوج منها، وغادرا معاً الى السويد في تشرين الثاني (نوفمبر) 1989، بسبب مشاكل سياسية.

يضيف: "حاولت منذ اليوم الأول لوصولي السويد، البحث عن عمل بنفسي، وإشتغلت في شركة بناء وإعمار، ولكن وخلال العامين الأولين من وجودي فيها، أحسست برغبة للعودة الى مصر، بسبب الأجواء الباردة جداً والشوق الى بلدي، إلا أن زوجتي رفضت ذلك".

يقول: "كنت أحلم دائماً بالعيش في مصر ولا زلت كذلك ولم يكن لدي فكرة العيش في اوربا".

Emad2.jpg

شجاعة المحاولة

بعض الأفكار قد تكون كالمصابيح التي تنير لنا دروب لم نكن لنراها في السابق. إحدى تلك الأفكار خطرت على بال بيومي، وهو يعيش صراعاً داخلياً مع نفسه بين ان يترك زوجته وأولاده الأثنين ويغادر الى مصر او ان يبقى في السويد ويستمر في محاولة التأقلم.

قصته ومشواره الإستثماري في السويد والطرق التي إعتمدها في ذلك، ملفتة ومثيرة للإعجاب، لما تتضمنه من شجاعة وإصرار على عمل شيء.

يقول: "عندما كنت أفكر بترك السويد، لم يكن في جيبي غير 400 كرون فقط، حينها كنت قد تركت العمل. وأذكر ذلك اليوم، اني منحت نفسي إستراحة من التفكير بالأمر، وتوجهت نحو محل بيع المشروبات الكحولية لشراء ما قد يساعدني في ذلك قليلاً، لكن وقبل ذلك وفي الطريق عرجت على متجر لشراء علبة سكائر، وهناك أستوقفتني أكياس الطحين المرصوفة على الرفوف، وحينها خطرت لي فكرة، لماذا لا أُرجع مهنتي القديمة وأعمل خبازاً؟ ولماذا أترك زوجتي وأطفالي؟ حينها قررت شراء عدة أكياس من الطحين، كلفني حينها قرابة 320 كرون، توجهت بها الى المنزل.

ويتابع: " إندهشت زوجتي من أمر أكياس الطحين، وإندهشت أكثر عندما أخبرتها بأنني قررت فتح مخبز، مستغربة كيف سنفعل ذلك ونحن لا نملك غير 400 كرون"!

emad3.jpg

خبز بيومي يطرق أبواب السويديين

ويبدو ان جيران بيومي، كانوا يملكون مخبزاً، فطلب منهم إستعماله لإعداد الخبز فوافقوا على ذلك. أنجز خبزه، ووضعه في سلة كبيرة، تماماً كما الحال في مصر، ووضع السلة في السيارة.

يقول: " لم تصدقني زوجتي عندما أجبت على سؤالها بأني ذاهب لبيع الخبز، ربما إعتقدت حينها بأن خلل أصاب عقلي، لجهة ان طريقة بيع الخبز هذه غير متبعة في السويد، لكني نفذت ما فكرت فيه، وبدأت ببيع الخبز قبيل الساعة الخامسة مساءً. كنت أطرق على الأبواب، وأعرفهم بنفسي، البعض كانوا يشترون مني وأخرون يعتذرون. بعت رغيف الخبز بـ 15 كرون، وإستمريت حتى الساعة الثامنة مساءً، وكان ثمن ما بعته ذلك اليوم يزيد عن 2000 كرون"!

في اليوم التالي، أجرى بيومي وزوجته الأجراءات اللازمة من أجل الحصول على موافقة فتح مخبز في المنطقة. يقول ساخراً: " ربما الناس في منطقتنا كانوا يعطفون على زوجتي ويقولون إنها تزوجت من مصري مجنون، فيما كان دخلي اليومي يترواح بين 2000-3000 كرون يومياً".

رفض المعونات الإجتماعية

يعتقد بيومي ان المعونات الإجتماعية التي تقدمها الدولة في السويد، هي لغير القادرين على العمل، وهذا ما دفعه ومنذ اليوم الأول الى رفضها، رغم ان لجنة من المجلس البلدي زارته في منزله بعد وصوله الى السويد، وعرضت عليه تلك المعونات مقابل الإنخراط في الدراسة وضمان دخول المجتمع.

يقول: " رفضت المساعدة المالية، لأنني أدركت بأني لو لم أتمكن من تكفل نفسي بجهودي، عليّ إذن ترك السويد والسفر الى مصر، تربيتي الفلاحية منعتني من أخذ المساعدة".

تمكن بعد ذلك ومن خلال 38 محاضرة من تعلم اللغة السويدية، بالإضافة الى ما أغناه به العمل من تعلم الكثير في هذا المجال.

Emad1.jpg

يستعين بفرقة موسيقية لبيع خبزه!

من ضمن ما فكر به، هو الطلب من أصدقاء له في فرقة موسيقية، تلحين أغنية، يختار كلماتها بنفسه، تساعده في بيع الخبز، فكان له ما أراد.

يقول: طلبت من أصدقاء لي، أنشأوا فرقة أطلقوا عليها "سفانا روبين"، بأن يلحنوا لي أغنية، انا من يقوم بأختيار كلماتها، تساعدني في بيع الخبز، وتقول كلمات مطلع الأغنية وهي باللغة السويدية: "أنا الخباز السعيد وإلي يأكل خبزي حيعيش سعيد...".

وإستجابت الفرقة لطلبه، ولحنت له الأغنية، حيث سجلها على شريط، يعيد الأغنية من جديد حال إنتهاءها في كل مرة، ونصب مكبرات صوت على سيارته ووضع الشريط، ونزل ليبيع خبزه.

يتابع القول: " رغم ان الطريقة كانت عامل إزعاج للبعض، الا ان الناس إشتروا الخبز مني".

"يجب على رجال الأعمال ان يتمتعوا برؤية مستقبلية"

يقول بيومي ان على رجال الأعمال، ان يتمتعوا برؤية مستقبلية بعيدة المدى لضمان نجاحهم، لافتاً الى ان الإستثمار بالسويد ليس بالعملية الصعبة، عندما ينظم الفرد عمله ويعرف ما عليه من واجبات وحقوق تجاه الدولة وما تنص عليه قوانينها.

ويضيف قائلا لرجال الإعمال، إن هناك إمكانية الإستثمار من خلال العاملين أنفسهم، فيما لو جرى إعدادهم وتدريبهم بشكل مهني جيد وإدخالهم في دورات دراسية حول ما يقومون به.

وينصح المهاجرين الإجانب، بإن يفيدوا السويد بما تعلموه في بلدانهم، وان يحترموا قوانين البلد وأنظمته، وهو يخطط لمشاريع أخرى مستقبلية، يسعى من خلالها الى القيام بتلاقح بين مهارات الفلاحين المصريين والسويديين.

كما أنه يؤمن بطاقات الشباب العربي، واصفاً إياهم بـ "أنهم من أذكى الشباب ويستطيعون ان يعملوا الكثير، لكن تنقصهم الفرص، ليتمكنوا من وضع قدمهم على أول الطريق".

بقى ان نقول ان بيومي، حصل على جوائز عدة سابقة، لكنها المرة الأولى التي إلتقى فيها الملك، كانت عندما تسلم جائزته الأخيرة.

وعن مشاعره حول ذلك، يقول: " يفتخر الواحد وهو يلتقي الملك، لم أدخل المدرسة، لكني دخلت السويد وعملت بجد ووصلت الى مرحلة، كُرمت فيها من قبل الملك، وهذا شرف كبير لي".

لينا سياوش 

lena@alkompis.com