احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

فوضى الفتاوى تهدّد بالفتن


فوضى الفتاوى تهدّد بالفتن

تصدر عن أشخاص لا يعتبرون أهلاً لإصدارها



تمرّ البلدان الإسلامية بحالة غريبة من فوضى الخطاب السياسي والديني.. ولكن الأخطر منها هو فوضى الفتاوى، ومنها فتاوى الجنس والشهوات، آخرها فتوى تطبيق حد الحرابة على المعارضين من قادة جبهة الانقاذ أو الافتاء بقتلهم. وهذه تشبه الفتاوى التي كان يطلقها بعضهم في عهد الرئيس حسني مبارك، يطالبونه فيها بتطبيق حدّ الحرابة على الجماعات الإسلامية.



«المشاهد السياسي» ـ لندن

> الفتوى عبارة عن مرسوم ديني في دين الإسلام يقوم بإصداره علماء في الشريعة الإسلامية يتحلّون بصفات معيّنة. يعتبر إصدار الفتوى في الإسلام أمراً عظيماً من ناحية المسؤولية، ويعتبر بعضهم من يصدر الفتوى أنه شخص نصّب نفسه للتوقيع عن الله في أمور جدليّة، مثل الأمر أو النهي أو إطلاق مسمّيات مثل الحلال والحرام ومستحبّ ومكروه وغيرها. يتمّ إصدار الفتوى عادة نتيجة غياب جواب واضح وصريح يتّفق عليه الغالبية في أمر من أمور الفقه الإسلامي، ويتعلق بموضوع شائك ذات أبعاد سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو دينية، ويطلق تسمية المفتي على الشخص الذي يقوم بإصدار الفتوى. لا يوجد في الإسلام سلطة مركزية وحيدة لإصدار الفتوى، وصدور فتوى معيّـنة لا تعني بالضرورة أن جميع المسلمين سوف يطبّقون ما جاء في الفتوى، ويرى بعض علماء المسلمين أن بعض الفتاوى تصدر من أشخاص لا يعتبرون أهلاً لإصدار الفتوى. لقد كثر الاستعانة بحالات الاجتهاد أو استصدار الفتاوى باسم الدين في عصر الانحطاط العربي الإسلامي خلال العصور الوسطى، واليوم التاريخ يعيد نفسه، فإن عصر الانحطاط الإسلامي الحالي يشهد مثل هذه الظاهرة، ظاهرة إصدار الفتاوى الرخيصة. يصدرها بكل أسف من يعتبرون أنفسهم علماء ومصلحين ويصدّقهم الجهلة، فتتحوّل إلى فتن يتصدّع بسببها المجتمع.
بعض هذه الفتاوى معبّرة وصادقة، تتماشى مع روح الإسلام وظروف العصر والبيئة والمجتمع والتطوّر العلمي والحياتي، لكن بعضها الآخر يعبّر عن المواقف والرغبات الشخصية لأصحابها، خصوصاً تلك التي لها علاقة بالمرأة والجنس.
لقد أصبح عالمنا العربي عبارة عن سوق يعجّ بمثل هؤلاء الشيوخ المتخصّـصين بفتاوى الجنس والمرأة لا غير، كأن المجتمعات تحوّلت إلى جسد أنثوي علينا محاصرته، والجنس هو الهاجس الوحيد الذي يشغل عقولهم، إنهم لا يجرؤون على توجيه الانتقاد وإصدار الفتاوى بحق رؤوس الفساد من القادة والزعماء، بل نجد العكس حيث يباركون هؤلاء القادة والزعماء و الشيوخ ودوائر الفساد التي يسكنون في جوفها، يصدرون الفتاوى التي تبرّر انحرافهم، ويصمتون على أفعالهم ويختبئون خلف أقنعتهم المتراكمة: الساكت عن الحق شيطان أخرس. إن الكثير من الفتاوى المريضة مصابة بأنيميا الواقع، حيث تقع على الأذن حين نسمعها بعدم التصديق، بل نخجل ونشعر بالعار لأنها تخلق الفتن، وتساهم في تصدّع المجتمع وتجعله ينشغل في قضايا تحول دون تطوّره، ورفع مستواه الاقتصادي والفكري واللحاق بركب الحضارة والعلم.

فتاوى الشهوات

القاموس الفقهي الخاص بهذه الفتاوى يئنّ من ثقل هذه الفتاوى الغريبة المدهشة التي تشدّنا إلى الحضيض، وتضع الفقه الإسلامي المتميّز بالتنوّر تحت واقع جديد، أطلق عليه بعض العلماء «جهاد الشهوات»، ولا نعرف سبب صمت الكثير من العلماء المسلمين على فتاوى هؤلاء.
فقد نشر أحد الذين يطلقون على أنفسهم لقب «داعية» على صفحته في «تويتر» تغريدة، مؤكداً فيها استعداده لعقد قرانه على امرأتين سوريّتين، و بهدف نصرة الثورة السورية، مستغلاًّ مأساة النساء السوريّات ومآسي أسرهنّ لإشباع غرائزه. لقد سبق كلام هذا الداعية فتاوى في: الأردن والسعودية ودول الخليج ومصر والجزائر، ونشطت مكاتب الزواج التي تتاجر بالنساء السوريّات اللواتي وقعن ضحيّة الحرب، والمضحك المبكي هو شعار هذه المكاتب: «اللي يتزوّج من شاميّة يعيش عيشه هنيّة». هذه المكاتب مزوّدة بفتاوى الفقهاء الذين استغلّوا المساجد للادلاء بها، واعتبروها أيضاً واجباً وطنياً، وهذا في الحقيقة تطاولاً على الدين والوطنية والإنسانية، وهو ليس أكثر من زنى سياسي وزنى مأساوي، استغلّه السماسرة وأسيادهم من تجّـار الحريم في أكثر من قطر عربي واحد. لم يجد هؤلاء شيئاً لدعم الشعب السوري سوى المتاجرة بشرف نسائه. ولقد رأينا هؤلاء في ساحة «جهاد الشهوات» سابقاً يتاجرون بنساء العراق ونساء البوسنة، ولكن لم نسمع عن «الجهاد» لمصلحة نساء الصومال أو نساء دارفور. لعلّهم يفضّـلون ذوات البشرة البيضاء. وهكذا لم يستطع عرب كثيرون تقديم شيء لأشقّائهم السوريين سوى المزيد من المهانة والاذلال واستغلال المأساة. ولعل هذا ما دفع بأحد اللاجئين السوريين الى القول على «تويتر»: «بناتنا لسن سبايا أو رقيقاً أبيض نحتمي بهنّ أو نتربّح من ورائهن، لقد هربن من الموت المحتّم ليفاجأن باغتصاب باسم الدين».

فتاوى الدماء

وأخطر الفتاوى على الاطلاق هي الفتوى في الدماء والأبضاع «أي الأعراض» والأموال.. والفتوى فيها عادة ما تحتاج إلي مجامع فقهيّة، وبخاصّة إذا ترتّب على الفتوى فتنة في المجتمع أو احتراب أهلي أو تمزّق للمجتمع. ولكن بعضهم الآن، ممن لم يتهيّأ للفتوى، لا يهاب الفتوى الخطرة في الدماء، على رغم أن معظمهم لم يدرس الفقه الإسلامي ولم يتخصّص به. فالداعية والتنظيمي والحزبي والسياسي يختلف عن المفتي. وأستاذ اللغة والبلاغة يختلف عن المفتي. فالافتاء مهمّة شاقّة تحتاج إلى تخصّـص دقيق بالفقه الإسلامي، أو دكتوراه على الأقلّ من كلّيّة الشريعة، وهي الكلّيّة الأزهرية الوحيدة المتخصّـصة بالفقه الإسلامي.
والافتاء يحتاج إلى تدريب طويل وتخصّـص عميق، إذ أن المفتي عليه أن يقرأ النص الشرعي قراءة صحيحة، ويقرأ الواقع قراءة صحيحة، فإذا أخطأ المفتي قراءة النص أو قراءة الواقع، أو لم يستطع إنزال هذا على ذاك، وقع الخطأ والخلط في الفتوى.
والإسلام لا يعرف فتاوى القتل أو الاغتيال، ولكن بعض القوى السياسية الآن تلجأ إلى شرعنة العنف، إما بطريقة الشرعية الثورية أو بالشرعية الدينية. وكلتاهما من شأنهما إلحاق الأذى بالمجتمع وتماسكه. كما أن الذي يدعو أو يفتي بقتل إنسان، فإنه يلغي معنى التعدّدية الحزبية وفكرة المعارضة التي أقرّها النظام السياسي الحالي. فالفعل السياسي يواجه بالفعل السياسي، والفكر لا يواجه إلا بالفكر، والرأي لا يواجه إلا بالرأي، ولا يواجه ذلك كلّه بالاغتيال والتصفية أو المولوتوف.
أما إذا خرج هذا الفعل السياسي على إطار القانون، فإن المنظومة القانونية تبدأ في العمل، وسيف القانون بقواعده وضوابطه تعمل. وهذه مسؤولية النيابة العامة والقضاء. والخروج على القانون في الفعل السياسي لا يواجه بالاغتيال ولكن بالقضاء. كما أن تحوّل كلّ خلاف سياسي إلى كفر وإيمان، قد يؤدّي بنا إلى الفوضى كالتي تحدث في تونس الآن.
ومن الغريب أن الذين أفتوا في مصر بقتل قادة المعارضة أمثال حمدين صباحي ومحمد البرادعي، أطلقوا فتاويهم عقب اغتيال شكري بلعيد في تونس، وكأنهم لم يقرأوا الواقع السياسي حولنا، ولم يتدبّروا أسوأ الآثار التي يمكن أن تخلّفها فتاويهم، فالمفتي لا ينعزل عن الواقع ولا يعيش في فراغ من زمانه.
كما أن فتاوى قتل المعارضين تعني في ما تعنيه إلغاء المنظومة القانونية، وتختصرها في فريق واحد سيكون خصماً وحكماً وقاضياً ومفتياً ومنفّذاً.. وهذا إخلال لمفهوم الدولة وسيادتها وهيبتها ومؤسّستها.
ويرى المفكّر السياسي والكاتب الصحافي صلاح عيسى في هذا الاطار، أنه لا بد من عدم التقليل من أثر خطاب التحريض الذي تمارسه بعض التيارات الإسلامية بشكل صريح ومباشر، مؤكداً أن هناك دعاة مهووسين بإطلاق الفتاوى الدينية وأحكام التكفير، لافتاً إلى أن الأمر لم يقتصر على تونس، وما حدث فيها حيث كان في البداية مجرّد فتوى، بإهدار دم شكري بلعيد ثم انتهى باغتياله، مؤكداً أنه سيمتدّ إلى مصر؛ ويضيف أن تجاربنا مع الاغتيالات السياسية تشير إلى أنها دائماً ما تبدأ بخطاب تكفيري، مثلما حدث أيضاً في منتصف التسعينيّات، وفترة ما قبل اغتيال فرج فودة ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ، فكل ذلك يبدأ بخطاب تكفيري، لأن هؤلاء المنتمين للجماعات المتشدّدة يعتبرون أنفسهم خلفاء الله في الأرض، وأنهم هم من ينفّذون أحكام الله، لذا يطلقون الأحكام. ويحذّر من أنه إذا لم يتمّ التصدّي لهذه الدعوات بالتكفير، فإننا سنكون أمام سلسلة من الاغتيالات، موضحاً أن بعض القنوات الفضائية تتحدّث ليل نهار عن تكفير شخصيات سياسية معارضة للرئيس المصري، وفي ظل سكوت إخواني ورئاسي عما يحدث، مما ينمّ عن وجود نوع من الرضا عما يحدث، ورضا مسبق عما سيحدث من قتل وعنف تنفيذاً لهذه الدعوات، فى حين أننا نسمع ليل نهار بلاغات ضد صحافيين وكتّاب وإعلاميين بتهم إهانة الرئيس وازدراء الأديان.
أما ضياء رشوان، مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية الاستراتيجية، فيرى أن الاغتيال السياسي أمر موجود منذ عهود، ويحدث عادة في مناخ فيه خلافات واسعة، ووجود طرف من الأطراف المختلفة يرى في الخصوم أعداء، ويرى أن العمل السياسي لا يأتي بالنتيجة التي ينشدها وأنه لا يوجد حلّ وسط في ذلك، لذا فإن الحل الوحيد أمامهم هو التخلّص من الخصم، كما أن الاغتيال السياسي دائماً ما تقوم به جماعات صغيرة؛ ويؤكد رشوان أن مناخ الثورات عموماً مناخ فيه دماء بأنماط مختلفة، منه ما هو اغتيالات سياسية ومنه ما هو قتل وحروب، كما أوضح أن الاغتيال السياسي وأي عنف سياسي يختلف عن العنف الجنائي، في كونه وراءه أفكار تبرّر أن القتل هو الحلّ. ويشير رشوان إلى أن كل هذا ينطبق على مصر التي تمرّ بثورة، وهناك اختلافات واسعة بين الأطراف السياسية فيها، وعدم اتّفاقهم من الأساس على قواعد اللعبة السياسية، كما أن هناك آراء في مصر تبيح قتل الخصوم السياسيين، وعلى رغم من أن الجماعات الإسلامية بعضها قدّم مراجعات عن أفكار العنف التي كانوا يتبنّونها، إلا أنه لا يزال هناك من يتبنّاها. ويقول رشوان إن الإخوان هم من سيدفعون ثمن العنف والقتل فهم أبرز من على المسرح الآن، وهم من سيتّم اتّهامهم بأي عنف سيقع، لافتاً إلى أن أي حالة اغتيال سيتعرّض لها أي معارض، مثل ما حدث في تونس مع شكرى بلعيد، عندما اتّهم الجميع حزب النهضة هناك بارتكاب الجريمة على رغم نفي زعيم الحركة راشد الغنوشي ذلك.
باختصار، مثل هكذا فتاوى، لا سيما منها فتاوى إهدار الدم والتكفير المجاني، باتت تتطلّب موقفاً شجاعاً وقويّاً، لا سيّما من المنظّمات الفاعلة، وفي طليعتها منظّمة مؤتمر التعاون الإسلامي، لقطع الطريق أمام الفتن، والعمل بالقول الكريم: «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا» >

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق